Logo Weiter Schreiben
Menu
Recherche
Écrire, encore – Suisse est
un projet de artlink
De | It
Logo Weiter Schreiben
Menu
Lettres > Chadia Atassi & Catherine Lovey > Tout ira bien – Deuxième lettre

كل شيء سيكون على ما يرام! - الرسالة الثانية

من شادية الأتاسي إلى كاترين لوفي

Traduction: Jumana Al-Yasiri

Chadia Atassi avant son arrivée en Suisse devant la Takiyya Sulaymaniyya à Damas, en Syrie. © Privé

عزيزتي كاترين…

أعتبر نفسي محظوظة إذ أجد نفسي منخرطة في مشروع ثقافي وإنساني مدهش، ومع أناس رائعون، آنا، مارينا، كاميل، جمانة،ولا أنسى ديمة التي قدمتني في البداية. ثم أنت عزيزتي كاترين، قدموك لي كشريكة،كاتبة ومفكرة، وجدت نفسي أبدأ معك تجربة رائعة، نتبادل الأفكار والحوار والتجربة. كان لابد لإنجذاب آخر أن يحدث، وأعني أن هناك صداقة تبدأ. تأخذ حيزها في الوجود.

قرأت رسالتك. بقدر ما هي شفافة، محفزة، غنية. بقدر ماهي تحاول أن تمد جسور التواصل بيننا، هذا التواصل الذي هيأه لنا هذا المشروع المدهش بدلالته الانسانية والفكرية والأدبية. منحنا بسخاء فرصة بناء جسور التواصل. البناء دائما فعل إيجابي، بمعناه المعنوي الدافئ العميق، ليس فقط بين الحضارات والثقافات المختلفة، بل بين الانسان والانسان. ليس سهلا بناء الجسور. يحتاج الى دراية عميقة،أقل خطأ يمكن أن يؤدي إلى كارثة.
ها نحن نبدأ، نتواصل، بشكل جميل…

أتفهم رأيك عزيزتي كاثرين فيما يخص موضوع صعوبة اللغة،ومع ذلك لقد تبادلنا خلال المرات التي التقينا بها، حوارات يمكن القول إنها كانت عميقة وجيدة بما يكفي للبدء. من المؤكد أننا نود أن نخوض أكثر وأكثر، فلدينا الكثير من الأفكار، الكثير من الفضول لمعرفة خزين الآخر،سماع صوت ثقافته وذاكرته وتاريخه..
لاشك أن كلانا أتى من ثقافة مختلفة، لكن هل هذا يعني نقطة ضعف ؟ برأي إن في الاختلاف قوة، لم تعد هناك ثقافة متعالية تعيش منعزلة عن الآخر، العالم أصبح قرية صغيرة كل حدث فيها يؤثر على الآخر.
إذن أنا أتفق معك في أن نحول موضوع صعوبة اللغة إلى قوة. وهانحن نبتكر، نكتب بكامل الحرية بلغتنا الأم، نطرح رؤيتنا ،ونثير بكامل الاسترخاء مواضيع عميقة ، مايجدر أن يحدث بين كاتبتين لديهما عوالمهما الفكرية والثقافية المختلفة

أتفهم فضولك. قرأته بشكل جيد، وأرحب به،أعتقد أن الفضول منحة رائعة للإنسان بشكل عام وللكاتب بشكل خاص. أقصد الفضول بمعناه المعرفي، أرى فيه تحفيز،تحدي، قوة، متعة الاكتشاف، اكتشاف عوالم الآخر. يمكن أن نضعه في إطار علاقة انسانية،وهي أصل الأشياء.
ربما الأمر بالنسبة لي أكثر سهولة – وهنا لاأتحدث عني فقط بل عن غالبية أبناء بلدي- يمكنني أن أقول أنني أعرف الكثير عن الثقافة الغربية. بدأ ذلك في المدرسة، التاريخ الأوروبي كان في منهج التعليم لدينا، وحين كبرت تابعت قراءة الكثير عن التاريخ، الأدب، الفلسفة الغربية، قرأت لكبار الكتاب والمفكرين بلزاك،روسو، كامو ، ديستوفسكي وغيرهم. بينما نحن كشعوب وثقافة عربية، مازلنا مجهولون منكم، ربما هناك أسباب كثيرة حجبت أو أبعدت أو طمست ثقافتنا العربية عنكم. لن أدخل في شرحها الآن، ربما في مجال آخر أو حوار أو رسالة أخرى قد يحدث هذا.

تودين يا عزيزتي كاترين،أن تعرفين لماذا أنا هنا، بعيدا عن بلدي، وكيف أشعر؟ لقد سألت ببساطة وبمحبة ،وأنا سأجيبك ايضا ببساطة ومحبة، مع أن الأمر ليس بسيطا، أنه في الحقيقة أصعب وأعقد ما يحدث في عالمنا المعاصر.
أنها الحرب ياكاترينً!
فهذا الكائن البسيط والمعقد ،العذب والقاسي، الذي اسمه الإنسان، الذي مازالت شراسته البدئية، قابعة في أعماقه الخفية، انبثقت فجأة،غدا وحشا من جديد، يقتل ويعتدي ويغتصب، ويفعل كل شيء منافي للإنسانية.
« في الحرب لم تعد أنت، تفاجىء بأشياء كنت تحسبها ثابتة،يدهشك أن تدرك أنها تتغير، وكم هي الآنا داخلك هشة، سهل اقتلاعها، أمام هجوم عاصف لتحولات كبرى،فرضت نفسها بقوة. الحرب تضعنا أمام ذواتنا، تقول لنا بجلاء:
هذا أنتم ، تعرفوا على أنتم »
كتبت هذا في روايتي « تانغو الغرام، » التي تتحدث عما حدث في بلدي سورية من آلام وقتل وتهجير. كيف يغدو الإنسان في الحرب إنساناً آخر، لقد قدر لنا، أن نغرق في أتون حرب دموية غبية، سببها الاستبداد في السلطة. لأن الناس ثارت على الظلم، أرادت الحرية. العالم لم يقف معنا، وقف متفرجا علينا.
أنا أكره الحروب،أكره العنف، أكره السياسة. المشكلة أن السياسة هي من تحبنا، تجري في دمنا نحن السوريين، الجميع متورط بها
لماذا؟ قد تسألين؟
لأنها ببساطة تدخل في كل مفصل من حياتنا، بدءا من هامش الحرية
الضيق الغير متاح لنا، مرورا بالعلم والتعليم، وحتى في الشراب والطعام والغناء والموسيقى، وفي الحب والزواج والطلاق أحيانا، فنحن شعب قدر علينا أن نكون مجتمع خليط من موزاييك متعدد العرق والقومية والدين والانتماء.

لكنني أستطيع في ذات الوقت، أن أقدم نفسي بطريقة حضارية أيضا. فأنا لست إمرأة الحروب فقط، أنا في البدء انسانة عادية أكل وأشرب وأحب وأحلم و أبكي وأحزن واشتاق.
وأكتب…
تسألينني عن علاقتي بالكتابة!
أنا أنجو بالكتابة…
أخوض فيها حربي الناعمة مع ذاتي،أبحث عن جمال روحي، في بحر متلاطم الموج. الأمر ليس رومانسياً فقط، بقدر ما هي قدرة الكتابة على انتزاع عوالم خفية من داخلي، أذهب إليها بهدوء واطمئنان .
أكتب عن الحب، عن المرأة والرجل،عن الانسان، الانسان من جوا، عن العالم الصعب، عن الزمن. اللحظة الهاربة التي لا تعود.
أكتب الشعر، يشجيني تغريدة عصفور، ويفرح قلبي انبثاق وردة في الصباح،
أكتب عن بلدي سورية،عن الإنسان المعذب، عن الحرب، عن الظلم والقهر، عن ذاكرتنا التي ثقبها الإحباط والهزيمة ،عن الانقسام والتردي،عن الأحلام التي تموت، عن الموت المجاني.
الموت في بلدي لا يشبه الموت في بلد آخر، يخلع كفنه فجأة ، ويرتدي ثوب البلد ، انكسار البلد، هوانه وتمزقه ، بؤسه وغضبه ، شروخه وانقساماته.
يبدو أنني لا أستطيع الخروج عن موضوع بلدي، لاأعرف إن كان هذا يعني لك شيئاً، أسمح لنفسي أن أجزم أنه يعني لك. لقد وصفت نفسك بأنك إنسان يجيد الإصغاء للآخر. وأنت فعلا كذلك، لقد أصغيت لي بتفهم وهدوء ونحن نتحدث.

لقد قرأت بدهشة وافتنان الكثير عن قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان هنا، فسويسرا مأوى لكثير من المهاجرين الذين شردتهم السياسة والحروب. وتابعت بدهشة وإعجاب انسياب الحياة الحضارية بدقة متناهية، الغنى والوفرة التي يتمتع بها الناس هنا.
هل هي فعلا كذلك! أم أن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك! أتساءل أحيانا! سويسرا أصبحت تعج اليوم بالغرباء المهاجرين، أتساءل أن كان ذلك قد أحدث شرخاً عميقا وانقساما بالرأي إن كان على مستوى الشارع أو الأحزاب أو الحكومة.

تتسائلين عن تأثير مدينة لوزان في كتابتي!
أنا منخرطة الآن في كتابة رواية أكاد أنتهي منها. لمدينة لوزان الدور الأول في أحداثها.أنا أبحث عن ذاتي في مدينة أحاول أن أنتمي إليها، ربما التركيز على الذات ليس بالأمر الجيد، إلا أنه يمكن التكفير عن ذلك بأني أجعل من نفسي موضوعا للتجربة والبحث. كيف أواجه تحدي حياة وثقافة ولغة مختلفة؟ كيف يمكنني تجاوز مشكلة الاختلاف؟ ثم هل يمكن تجاهل مسألة الحنين؟ كيف أكون موضوعية أمام مدينة تبهرني بجمالها، وأنا أسيرة قوانينها، قد لا أنصفها حين أتحدث عن وطأة الروتين الذي لم يمنحني حتى الآن اقامة دائمة، تمنحني الإحساس بالاستقرار والهدوء.
هذا يعني أشياء كثيرة…
يعني أنها المحنة التي تكشف عن العوز الأبدي الذي يلازم الغريب، الذي انتقل الى فضاء غير فضاءه، والذي يغدو ضيفا في ضيافة الغربة. في مدينة ساحرة الجمال.
آمل أنني أجبت على بعض من اسئلتك عزيزتي كاثرين…
أعجبني اقتراحك، أحببته. أجل كل شيء سيكون على مايرام .

شادية أتاسي
لوزان ٢٢/١٠/٢٠٢٢

Auteurs & autrices

Datenschutzerklärung

ContactMentions légalesLettre d'information
Mentions de Cookies WordPress par Real Cookie Banner